العراقي لايخشى شيء
أخرجت المجازر الإسرائيلية في لبنان كاظم الساهر عن صمته. المطرب العراقي الذي يغني للبنان بعد أيام في الجزائر، يرى أن للفنان دوراً فاعلاً «في العالم العربي الذي لا يعرف إلا ذرف الدموع».
قبل أيام، أعلن كاظم الساهر إلغاء جميع حفلاته التي كانت مقررة في شهري تموز وآب في العالم العربي. لكنه سرعان ما أصدر بياناً أعلن فيه تبرّعه بعشرين ألف دولار لضحايا العدوان الإسرائيلي، على أن يحيي حفلات خيرية يعود ريعها إلى أطفال لبنان.
ومساء 18 آب الحالي يلتقي الساهر جمهوره في الجزائر ضمن فاعليات «مهرجان جميلة الدولي» الذي خصّص أمسياته لدعم الشعب اللبناني، ويقيم حفلة خيرية في اليوم التالي على المسرح الوطني في العاصمة. وعندما يغني فنان عراقي جراح لبنان في الجزائر، لا بد من أن تكون اللحظة استثنائية، إذ تختصر تاريخاً من المذابح والحروب. كما أنّ الجراح اللبنانية ستعيد كاظم الساهر إلى دار الأوبرا المصرية بعد قطيعة استمرت سنوات، في حفلة خيرية ستقام مساء 31 من هذا الشهر.
كاظم الساهر الذي رفض إجراء مقابلات صحافية في هذه الفترة، خصّ «الأخبار» بلقاء، قلّب خلاله صفحات حزينة طواها منذ زمن، «لكن صور الدمار ومسلسلات المجازر أعادتني عشرين سنة إلى الوراء».
المجد الضائع
يعترف الساهر بأن صمود لبنان أعاد بعض المجد إلى العرب. ويقدّر المطرب العراقي ثمن الحرية المغمّس بالدم « تنفست الحرية وأنا في الواحدة والثلاثين. كنت محروماً السفر لذا تراني اليوم دائم الترحال». يرفض الحديث عن استغلال القضية لاستقطاب الجمهور، ويجيب غاضباً: «هاجس بغداد رافقني في جميع حفلاتي. ترجمت وجعي في أغنياتي. وأنا اليوم ملزم بردّ جميل بيروت. ما أقدمه ليس إلا وفاءً لشعب منحني الحب والنجومية. هذه المدينة صنعت اسم كاظم الساهر، وأعادت العراق إلى دائرة الضوء، بعدما كان ممنوعاً ذكر اسمه في باقي الدول العربية”. يضيف ساخراً: «في ظروف مشابهة، تستطيع بسهولة التمييز بين الصادق والمنافق».
حينما ينتقل للحديث عن العراق، يرتجف صوته: «الأمل موجود. هناك من يريد تدمير حضارة بلاد الرافدين. لكن العصابات الصغيرة لن تحقق أمنية بعض الدول». ويتابع صاحب «بغداد لا تتألمي»: «غنيت كثيراً عن آلام شعبي، حان الوقت لكي أتغنّى باستقراره وفرح أولاده... حتى اليوم، يطلب مني أهلي في العراق عدم العودة إلى أرض الوطن. قالوا لي نريدك حياً تغني العراق في كل مكان. لكنني، لا أخفي عليك، بدأت أملّ الغربة. في داخلي حنين قاتل لأهلي وشوراع مدينتي. تركت هناك شاباً فتياً أرغب في استعادته».
درب النجومية التي حصدها كاظم الساهر لم تكن مفروشة بالورود. منذ مدّة يحاول جاهداً اقتلاع لحظات أليمة من ذاكرته، لكن صرخات الأمهات في لبنان أعادت إليه شبح الماضي. يقول: «الخوف كان رفيقي الدائم. كبرت مع أشقائي على صوت المدافع. رافقتنا الحرب طويلاً، اعتدناها، ألفتنا وألفناها... عشت التشرّد لسنوات. أذكر أننـــــــــــــي كنت أخاف كثيراً على الآلات الموسيقية، فانتقلت للعيش في الاستديـــــــــــــو. كنـــــــــت أتفقّد جميع الآلات مساءً، وأخلد إلى نوم متقطع خشـــــــية عـــــــدم النهــــــوض في اليوم التــــالي».
ويضيف: «بعد مأساة طويلة في الحرب مع إيران، جاءت حرب الخليج. حينذاك صرت محروماً دخول بلاد عربية عدة، لأنني أملك جواز سفر عراقياً. رفضت شركات كثيرة التعاون معي، وكنت أعرض عليها أعمالي من دون أي مقابل. كان همي الوحيد إيصال صوتي إلى الناس... أحترم شعور الكويتيين وأتفهم بحقّ مشاعر الألم وحدّتها تجاه العراق. لكن ما يؤلمني أنّ أغاني ناظم الغزالي حتى اليوم ممنوعة في بلد شقيق».
قيصر الأغنية العربية ــ كما أطلق عليه نزار قباني ــ لم يعد يؤمن بالأغنية السياسية، يرفض الحديث عن عمل جديد يحيّي المقاومة والصمود. ويجيب غاضباً: «انتهى زمن الكلام. علينا البحث عن دور فاعل في وطن عربي لا يعرف إلا ذرف الدموع والتباكي». ويتابع: «أين هي الأغنية العربية؟ أتعلم أن الهبوط الفني ليس إلا انعكاساً لضياع الهوية العربية. قلّة الوعي السياسي فخ وقعنا فيه، حتى إن الانتماء عندنا بات خطيئة».